روايات شيقه

رواية سر غائب الفصل التاسع

ابتسمت فايزة بمكر تقترب منه تهمس بأذنه قائلة:
علشان لو موافقتش يا منير هقول لضحى امها ماتت ازاى وشوف ساعتها هتبصلك ازاى ولما تشوف بنتك الوحيدة بعدت عنك وكرهت علشان كنت أنت السبب فى موت أمها
قام بدفعها بيده يبعد جسدها الملتصق به لتترنح فى وقفتها تكاد تسقط أرضاً ليهتف هو بحنق شديد:
– أخرسى بقى وهو مين اللى كان السبب مش أنتى منك لله منك لله يا فايزة ربنا يخلصنى منك يارب يارب
طفق يردد دعاءه لله بالخلاص من تلك المرأة فربما هى على وشك كسر أواصر المحبة بينه وبين أبنته الوحيدة ولكنه لن يسمح لها بذلك فأقترب منها يقبض على شعرها بين اصابعه يكاد يقتلعه يخرج صوته هادرا
– أنا سكت ليكى كتير بس وحياة بنتى عندى ما هسيبك تتمادى أكتر من كده ويا انا يا انتى يا فايزة وخلاص مبقاش عندى حاجة أخسرها أكتر من اللى راح وصحتى اللى راحت بسبب عمايلك برضه بس من هنا ورايح هتشوفى وش تانى هتشوفى منير تانى فاهمة ولا مش فاهمة
تصنمت ملامحها فهى لم تكد تعلم أنه قادر على فعل ذلك وتهديدها فهى عاشت سنوات تكتنفه هى بتهديدها له بكشف حقيقة وفاة زوجته الأولى فهو كان منصاعاً لها لايرد لها كلمة فما الذى حدث الآن من أين أتته كل تلك القوة فجسده كادت ان تجزم أنه اصبح هش كالقطن من كثرة تلك الأمراض التى ألمت به فهتفت فايزة بتعجب:
– أنت بتمد ايدك عليا وكمان بتهددنى يا منير من أمتى ده
هز رأسها بين يده كأنه يريد ترسيخ كلامه فى عقلها وأصابعه تلتف حولها خصلات شعرها التى اصبحت تألمها من قوة قبضة يده عليها
– ايوة يا فايزة ومن هنا وجاى مش هسكت ليكى سكت كتير بس خلاص ولو مبعدتيش عن بنتى أنتى واخوكى هبلغ عنه البوليس وأوديه فى ستين داهية واخليكى تتحسرى عليه وهو مرمى فى السجن فطلعوا بنتى من دماغكم أحسن ليكم
ترك شعرها بعد ان ربت على وجهها بطريقة أشبه بالصفع فهى ما زالت لم تعى كل ما يحدث فكأن هذا رجل أخر غير زوجها الذى تعرفه والذى كان أيضاً لا تقوى قدميه على حمله،قامت بلم شعرها الذى عاثت يد زوجها به فسادا وماكادت ان تخرج من الغرفة حتى اصطتدمت بضحى التى يبدو أنها عادت للتو من الخارج فهتف ضحى بتساؤل:
– أنتى بتعملى ايه هنا فى أوضتى وانا مش موجودة
تعجبت ضحى من وجود زوجة أبيها فى غرفتها وجدت عينيها تنظر تلقائياً الى ذلك الثوب الموضوع بجانب ماكينة الحياكة فأقتربت منه سريعاً تقلبه بين يديها لترى ماذا فعلت تلك المرة فوجدت الثوب على حاله لم يحدث له شئ مما كانت تظنها فنظرت خلفها وجدتها تنظر لها وتبتسم بسخرية فخرجت فايزة من الغرفة ،فأغلقت ضحى الباب خلفها ،قامت ضحى بخلع ملابسها وابدلتها بملابس بيتية سمعت رنين هاتفها ابتسمت عندما وجدت اسم ثراء على شاشة الهاتف فتحت الهاتف تردف بمرح:
– أهلا ببنت الأكابر
ابتسمت ثراء على مزاح صديقتها قائلة:
– بنت الأكابر دى كانت ليلى مراد يا ضحى
فعاودت ضحى الحديث قائلة:
– أه واتجوزت انور وجدى وهو كان بيصلح التليفونات
سرحت ثراء بخيالها برهة وهى تتخيل ان ربما تحدث معها معجزة مثل تلك التى حدثت فى ذلك الفيلم وتتزوج هى من أيسر لم تفيق من ذلك الحلم الوردى إلا على صوت ضحى
– إيه يا بنتى روحتى فين بتتخيلى نفسك ليلى مراد وأيسر أنور وجدى
تعجبت ثراء كيف عرفت ضحى ما تفكر به الآن فهتفت بدهشة:
– إيه ده أنتى عرفتى ازاى يا ضحى
قهقهت ضحى عندما علمت بصواب تفكيرها الا انها فكرت فى تحويل دفة الحديث
– مقولتليش بقى متصلة بيا ليه وحشتك
اجابتها ثراء بمزاح :
– مش اوى هههههه على العموم شوفت تصميم فستان عجبنى فهبعتلك صورته عيزاكى تفصليهولى علشان عيد ميلادى قرب وأنتى عارفة الحفلة اللى لازم يعملوهالى مع ان بتخنق من جو الحفلات ده والرسميات
– تصدقى بالله يا ثراء أنتى فقرية واحدة زيك اللهم لا حسد عايشة فى المستوى ده والرفاهية دى ومخنوقة وكمان فى ايدها يجلها هدومها من اشهر بيوت الازياء فى العالم وتخاطر وتخلينى انا افصلها فساتينها مش خايفة على مستقبلك يا ثراء
ختمت ضحى حديثها بضحكة عالية تناهت إلى سمع ثراء فأنتقلت اليها هى الاخرى عدوى الضحك حتى دمعت أعينهن حاولت إنهاء تلك المكالمة فهى شعرت بألم شديد بمعدتها بسبب كثرة ضحكها
– ضحى مش قادرة بطنى وجعتنى على العموم هبعتلك الصورة على الواتس وعيزاه نفس اللون يا ضحى
اجابتها ضحى بود قائلة:
– من عينيا الاتنين انا عندى كام ثراء يعنى
– تسلملى عيونك يا حبيبتى
أنهت ضحى مكالمتها لتأتيها بعد برهة وجيزة اشعار على احد مواقع التواصل الاجتماعي فنظرت لتلك الصورة المرسلة اليها بعناية لتعقد العزم على الخروج غدا لشراء القماش اللازم لعمل ذلك الثوب من أجل صديقتها.!!!
_____
بحثت عنايات فى كل مكان فى ذلك القبو الذى تحيا به الآن عن أى شىء يسد رمقها فتلك المرأة تركتها منذ يومين بدون طعام ،فهى تفعل ذلك حتى تجعلها تبوح بكل شئ ،وضعت عنايات يدها على بطنها وآلام الجوع تمزق احشاءها،أغمضت عينيها التى بدأت فى ذرف الدموع قهراً وألما لتعود وتفتحها تنظر إلى الأعلى تبتهل إلى الله وتطلب منه الغفران على ذلك الإثم الذى اقترفته منذ سنوات طوال
– يارب انا عارفة إن انا غلطت بس سامحنى يارب على اللى عملته سامحنى يارب
بدأت فى النحيب حتى سمعت صوت صرير الباب فتعلقت أنظارها بالباب فوجدت تلك المرأة تدلف وبيدها أكياس بلاستيكية تلك الروائح التى تفوح منها ربما زادت فى شعور عنايات بالجوع الذى باتت امعاءها تصدر صوت يشبه صوت نحيبها ،تقدمت تلك المرأة منها وهى تلوح بتلك الأكياس بيدها مردفة:
– ايه يا عنايات جعانة تعالى الاكل اهو انا عارفة ان زمانك ميتة من الجوع دلوقتى
ركضت إليها عنايات تحاول سحب ذلك الطعام من يدها فظلت تلك المرأة تراوغها وصوت ضحكاتها يصم الأذان بينما عنايات طفقت فى البكاء المرير وهى تتوسلها
– حرام عليكى بقى ادينى الأكل خلاص مش قادرة هموت خلى فى قلبك رحمة شوية
ظلت عنايات تنتحب كالاطفال وهى ترى الطعام أمامها ولا تستطيع اخذه وسد جوعها فجلست على الأرضية وقدميها لم تعد تقوى على حمل جسدها الذى أصابه الهزال من اقامتها فى هذا المكان ،فأقتربت منها تلك المرأة تنحى اليها تضع أمامها الطعام
– كلى يلا يا عنايات اصلك صعبتى عليا خالص
سارعت عنايات فى حل تلك الأكياس التى تحوى بداخلها الطعام ظلت تنهب بيدها منه تملأ فمها كأنها فى سباق سد الطعام مجرى الهواء لديها حتى كادت ان تختنق فمدت لها تلك المرأة يدها بزجاجة من المياة
– خدى اشربى وكلى براحة هتموتى نفسك متخافيش الأكل مش هيطير
تناولتها عنايات فأرتشفت منها وهى تكاد تشعر بتمزق صدرها من تلك الغصة العالقة به بسبب كثرة الطعام ظلت لحظات حتى عادت الى حالتها الأولى فربما كانت على وشك الاختناق الآن فهتفت بصوت منخفض:
– الحمد لله الحمد لله عدت على خير
عادت تتناول طعامها ثانية ولكن تلك المرة بتأنى شديد حتى لا تصيبها تلك الحالة ثانية ،جلست تلك المرأة على ذلك الفراش تضع ساق على الاخرى تنحى بجسدها قليلاً إلى الأمام ومازالت عنايات تفترش الأرض
– شوفتى بقى يا عنايات انا فى ايدى اموتك بالبطئ ازاى لسه برضه مش عايزة تقرى وتعترفى وتقوليلى هو فين
نظرت اليها عنايات بطيف ابتسامة بعد أن امتلئت بطنها بالطعام فعاد اليها تمردها ورفضها
– وانا برضه مش هقولك هو فين
اقتربت منها المرأة تقبض على عنقها تنظر اليه بشر قائلة:
– أنا صبرت عليكى كتير وانا لصبرى حدود يا عنايات فاهمة المرة دى كنت هتموتى من الجوع يمكن المرة الجاية تموتى من حاجة تانية زى دى مثلاً
سحبت تلك المرأة حقيبتها تخرج منها جراباً يحوى بداخله ثعبان رفيع القته أمام عنايات فأنتفضت عنايات من على الأرض تصرخ بصوت عالى وهى ترى ذلك الثعبان يزحف بسرعة على الأرض يقترب منها فهتفت بها برجاء
_ لاء الله يخليكى انا بخاف من التعابين لاء بلاش ماهو لو مت السر هيموت معايا وبرضه مش هتعرفى هو فين
كرهت تلك المرأة ان تعترف ان حديث عنايات يحمل الصواب فحاولت رسم ملامح عدم الاكتراث على وجهها فربما ستربح تلك الجولة معها
– وأنا مش عايزة أعرف يا عنايات وموتى ولا غورى فى ستين داهية مش فارقة معايا انا برضه فى الأمان
أقتربت من ذلك الثعبان تحمله بيدها وهى تبتسم لها بشر وهى تشعر بملمسه الناعم على يدها فهى تشبه ذلك الثعبان وتحمل صفاته الخبيثة أيضاً لذلك هى لا تخشاه فقامت بوضعه ثانية فى ذلك الجراب بحقيبتها
– أنا بس بوريكى يا عنايات ان عندى ألف طريقة وطريقة اموتك بيها ومن غير ما اوسخ أيدى المفروض بقى تكونى عرفانى أكتر من كده
تنفست عنايات الصعداء بعد أن اختفى ذلك الثعبان من أمامها ففكرت انها لابد ان تكسب بعض الوقت فلتماطلها فى الحديث حتى تستطيع التفكير فى حل او مهرب من ذلك المكان
– انا موافقة أقولك هو فين بس مش دلوقتى سبينى شوية أفكر مع نفسى وبعدين هقولك انا لازم أفكر الأول
حاولت تلك المرأة ان تفهم مغزى حديثها ولكنها لاتملك شئ سوى الانتظار
– وانا موافقة يا عنايات هسيبك تفكرى انا ماشية دلوقتى ولازم نخلص من الموضوع ده بقى
خرجت تلك المرأة بعد أن القت حديثها على مسامع عنايات لتعود عنايات تجلس على الفراش وعقلها يستعرض كل الحلول التى تمكنها من الفرار من هذا المكان وأيضاً من بطش تلك المرأة التى لن تتركها بحالها او تظهر لها شئ من الرحمة بعد ان تصل لمبتغاها منها ..!!!
________
خرجت ثراء من تلك المكتبة تزفر بقلة حيلة فتلك هى المرة الثالثة التى تأتى فيها للسؤال عن بعض الكتب التى تود شراءها وتسمع نفس الجواب أنهم لم يصلوا بعد فسأمت ثراء من ارتياد تلك المكتبة، كان أيسر ينتظرها بجوار السيارة ولكن رأى ملامح وجهها العابسة
– حضرتك مضايقة ليه كده
زفرت ثراء بقلة حيلة قائلة:
– كل لما اجى اسال عن الكتب اللى طلبتها يقولولى مش موجودة انا مش عارفة دى أكبر مكتبة موجودة هنا وازاى مش لاقية فيها الكتب اللى انا عوزاها
فكر أيسر انه ربما لديه الحل فأقترح عليها قائلا:
– طب حضرتك أنا اعرف مكتبة هى اى مش موجودة فى حى راقى بس هتلاقى فيها كل الكتب اللى انتى عوزاها
نظرت اليه ثراء باهتمام بالغ قائلة:
– فين المكتبة دى يا أيسر
أردف أيسر بحذر قائلا:
– هى فى مكان شعبى شوية فى الحى اللى شقتى فيها مكتبة جدى رضوان
تعجبت ثراء من حديثه:
– جدك ! أنت مش بتقول ان انت ملكش قرايب
أردف أيسر موضحاً مقصده:
هو مش جدى هو جد واحد صاحبى وانا بحبه اوى وبعتبره جدى انا كمان
لا تعرف ثراء ذلك الشعور بالحماس الذى انتابها فهى تريد ان تعرف كل شئ عن حياته عن ماضيه عن حاضره وربما عن مستقبله أيضاً فهتفت بحماس كبير قائلة:
– ماشى يلا بينا نروح المكتبة دى
ركبوا السيارة ظلت ثراء تنظر لتلك الأحياء السكنية التى مروا بها بنايات قديمة أطفال يلعبون فى الشارع نساء يقفن بالشرفة يثرثرن ،تنظر ثراء حولها بانبهار كأنها انتقلت الى احد تلك الاحياء التى كانت تقرأ عنها فى الكتب القديمة فهى لم ترتاد مكان كهذا من قبل،صف ايسر السيارة على احد جانبى الشارع ،ترجلت ثراء من السيارة ومازالت تلك الابتسامة على وجهها عندما لمحت فتاة صغيرة تحتضن دمية و تبكى أيضا فأقتربت منها ثراء لمعرفة سبب بكاءها
– بتعيطى ليه يا حبيبتى
رفعت الفتاة الصغيرة وجهها تنظر لثراء وما زالت دموعها تجرى على وجنتها الشاحبة
– العروسة بتاعتى مبقتش حلوة قولت لماما تجبلى عروسة بتقولى مش معاها فلوس علشان بابا سابنا وراح عن ربنا
وجدت ثراء نفسها تنحنى تحتضن تلك الصغيرة تربت عليها بحنو بالغ
– خلاص يا حبيبتى متعيطيش انا هجبلك عروسة حلوة
نظرت ثراء حولها فوجدت محل لبيع الدمى والألعاب نظرت للصغيرة بابتسامة قائلة:
– يلا يا حبيبتى شوفى العروسة اللى تعجبك وهشتريهالك
صفقت الصغيرة بيديها فرحة من ذلك العرض المغرى فتوجهت صوب تلك العلبة التى تحوى بداخلها دمية باربى ومعها أيضاً أشياء اخرى
– انا عايزة العروسة دى
– ماشى يا حبيبتى هجبهالك
فتحت ثراء حقيبتها تخرج منها النقود نظر اليها البائع وهى تمد له يدها بكل تلك النقود
– اتفضل حق العروسة
نظر اليها البائع بشئ من البلادة فتلك النقود لاتشترى دمية واحدة فقط فربما تشترى دزينة من الدمى
– ايه كل ده حضرتك حق العروسة دى ٥٠ جنية بس
تعجبت ثراء الا انها اعطته المال لتضع الباقى فى يد الفتاة مردفة
– حبيبتى خدى الفلوس دى اديها لماما
ركضت الصغيرة وهى تشعر بالفرح لحصولها على تلك الدمية التى كانت تريدها الا انها اصطتدمت بوالداتها فنظر اليها تقفز بفرح
– ماما ماما شوفى جبت عروسة وكمان الفلوس دى
نظرت المرأة لابنتها بغضب قائلة:
– أنتى جبتى الفلوس دى منين أنطقى ازاى تمدى ايدك على حاجة مش بتاعتك ازاى تعملى كده
فكانت على وشك صفعها فمن أين أتت بكل هذا إلا أن ثراء هتفت بها قبل أن تضرب الصغيرة
– أستنى حضرتك انا اللى اديتها الفلوس واشتريتلها العروسة كمان اعتبريها هدية بسيطة منى لبنوتك الحلوة دى
نظرت إليها المرأة بامتنان فهى كانت تفكر كيف ستطمع صغيرتها اليوم وهى لاتملك مالا
– تسلمى ياست هانم ربنا يباركلك يارب وينولك اللى فى بالك
ابتسمت لها ثراء فوجدت نفسها تنظر لأيسر وهو يستند على السيارة عاقدا ذراعيه ينظر لما تفعله انصرفت المرأة وابنتها فعادت تقف أمامه قائلة:
– ها فين المكتبة يا أيسر
اشار أيسر بيده لمكتبة صغيرة فى أحد الأركان يجلس امامها شيخ كبير يمسك مسبحته
– المكتبة وراكى اهى اللى قاعد قدامها الراجل العجوز ده
نظرت ثراء خلفها فتقدمت من رضوان قائلة:
– السلام عليكم لو سمحت كان فى كتب كنت بدور عليها هى كتب نادرة شوية
هب رضوان واقفاً يبتسم لها وهو يرى أيسر يتبعها :
– وعليكم السلام أتفضلى اقعدى يا بنتى اهلا يا أيسر اخبارك ايه
اقترب منه أيسر يحتضنه قائلا:
– الحمد لله يا جدى كويس انت صحتك عاملة ايه وتيتة
ربت رضوان على ظهر أيسر مردفاً:
– الحمد لله نحمد ربنا مقولتليش البنت الحلوة دى اللى انت شغال عندهم
اصطبغ وجه ثراء وأصبح شديد الاحمرار من إطراء رضوان لها ومن ابتسامة أيسر العريضة التى ربما تراها لأول مرة فهو دائما قليل الابتسام كثير العبوس ،دلفت ثراء لداخل المكتبة كما أشار إليها رضوان لتنتقى من الكتب ما تريد فظلت تجيل ببصرها فى تلك الأرفف الموضوعة حتى وجدت ما تريد فهتفت بسعادة:
– دا انا لقيت كل الكتب اللى كنت عيزاها دى المكتبة دى كنز فيها كتب ملقتهاش فى أكبر مكتبة كنت بتعامل معاها
زادت ابتسامة رضوان أتساعا وهو يرى ذلك الشغف بعينيها للكتب وللقراءة فهى تذكره بصباه عندما كان الكتاب لايفارق يده وللأن أيضا فما زال حب المطالعة والقراءة هوايته الاولى والأخيرة،
_ بعون الله اى كتاب انتى عيزاه ان شاء الله هتلاقيه بس الكلام خدنا ونسيت اعزم عليكى تشربى إيه ولا أنتى علشان بنت ذوات هتخافى تشربى حاجة عندنا
ابتسمت له ثراء قائلة:
– لاء طبعا وهخاف ليه اى حاجة هشربها بس بلاش شاى مش بحبه
نظر رضوان لأيسر قائلا:
– خلاص يا أيسر هات لها حلبة حصى
قالت ثراء بعفوية لجهلها بنوعية هذا المشروب:
– ايه حلبة حصوة دى مشروب ايه ده
تعالت ضحكات رضوان فلم يفلح أيسر فى كبت ضحكته هو الآخر على حديثها فأردف موضحاً:
– اسمها حلبة حصى مش حصوة على العموم انا عارف انتى بتحبى تشربى ايه هجبهولك وأجى
غادر أيسر لاحضار المشروب الخاص بها فجلست على مقعد خشبى بجوار رضوان فظلوا يثرثرون حول قراءة الكتب والمؤلفين فأكتشفت ثراء درايته الواسعة بفنون الأدب والشعر ،لمحت أيسر قادماً يحمل بيده صينية صغيرة بها كوبين من الشاى وكوب من مشروب القهوة بالحليب الذى تحب ثراء احتساءه، لاتعرف لماذا شعرت بالسعادة لكون ايسر يعلم ولو شئ يسير عن ماذا تحب او تكره،مر الوقت سريعاً وكأنها غير راغبة فى ترك المكان الا انه حان عودتها الى المنزل فهبت واقفة من جلستها تبتسم لرضوان
– شكرا لحضرتك على الكتب وعلى المشروب وأتفضل حق الكتب أهو متشكرة جدا
ابتسم لها رضوان رافضاً اخذ النقود منها قائلا:
– دول اعتبريهم هدية بسيطة انا بقالى كتير مقبلتش حد عنده حب القراءة زيك كده ولا رغيت مع حد فى الأدب والشعر لما تعوزى اى حاجة ابقى خلى أيسر يجيبك المكتبة تحت أمرك
أصرت عليه باخذ النقود إلا انه ظل على رفضه أخذت الكتب ولجت إلى السيارة لينطلق بها أيسر عائدا الى المنزل وهى مازالت سعيدة بقضاء هذا الوقت برفقة إناس بمثل هذه الطيبة وليس هذا فحسب فهى شعرت بشعور الفرح الذى لم تجده بين جدران قصرهم الفخم فربما اليوم كانت كأميرة هجرت قصرها لترى ذلك الحى الفقير الذى كان يقطن به من دق له قلبها دون سواه..!!!
________
دلفت سيرين إلى منزلها،صعدت الدرج لتصل الى غرفتها ولكن عندما فتحت باب الغرفة وجدت عزام يجلس على الاريكة ينظر اليها بغضب كأنه كان بانتظارها منذ بعض الوقت فهتف بسخرية تجلت بصوته الحازم:
– حمد الله على السلامة يانجمة ايه التأخير ده كله هى جلسة التصوير طولت اوى كده
لم تجيبه على سخريته فقامت برمى حقيبتها بإهمال لتقف أمام مرآتها فشرعت فى خلع قرطها ومازالت ترى معالم وجهه تهدد بالوعيد تلك الملامح التى انعكست فى المرآة ،رأته يقترب منها يقبض على ذراعها الأيمن بغضب جم يديرها لتقف وجهها لوجه معه قائلاً:
– انا مش بكلمك مبترديش عليا ليه ها عاملة نفسك مش سمعانى يا سيرين
صرخ فى وجهها ولكنها لم يرف لها جفن بل خلصت ذراعها من قبضة يده لتعقد ذراعيها امام صدرها فى تهكم واضح مردفة:
– أنت بتزعق ليه دلوقتى يا عزام وبتعلى صوتك علشان إيه من أمتى وأنت بتعترض على شغلى ما أنا بشتغل من قبل ما نتجوز وأنت عارف ان انا بحب شغلى انا شخصية معروفة ومشهورة
جز على أنيابه مكشرا عنها قائلاً بحدة:
– أنت هتستعبطى يا سيرين انا مش محذرك ان متقربيش من أى حاجة تخص شغلى او بيتى او حياتى
أنتى ازاى متقوليش على ان شهاب ابنى كلمك علشان تصورى اعلانات لشركتنا ها بتحطينى قدام الأمر الواقع ولا ده نظام لوى دراع يعنى ردى عليا
نفخت سيرين بضيق قائلة :
– لا ده ولا ده هو عرض عليا الشغل خفت ارفض يشك ان فى حاجة بينى وبينك
وضع يده بجيب سرواله يردف بسخرية:
– لا والله عبيط انا كده وصدقت انتى بتضحكى على مين دا انا عزام الرافعى يا سيرين شيفانى اهبل وأصدق كلامك السخيف ده
التوى ثغرها بتوتر مخافة من كشف نواياها تجاهه فهى ظنت أن بذلك المبرر الواهى تستطيع خداعه ولكن ربما هى مخطئة فعزام ليس ذلك الرجل الذى يستطيع احد خداعه بسهولة
– أنت مش مصدقنى يعنى يا عزام للدرجة دى معندكش ثقة فيا انا مش مصدقة هو ده الحب اللى بتحبهولى هو ده وعدك ليا انك مش هتزعلى ان هتخلينى اعيش معاك اجمل أيام حياتى انك مش هتخلى دمعة واحدة تنزل من عينى هى دى وعودك ليا
ختمت حديثها الدرامى بتلك الدموع التى استجلبتها هى كعادتها عندما تؤدى دور درامى فى احد تلك الأفلام التى تمثلها عادة ،الا ان عزام لم تنطلى عليه تلك الحيلة فربما هى متناسية فرق السن بينهم وخبرة عزام فى كشف معادن الناس فهو يتاجر بالذهب والألماس فرفع يده يصفق باعجاب قائلا:
– برافوووو يا سيرين والله انتى ممثلة محصلتش دا انتى موهبة تصدقى دمعتى كانت هتفر من عينى
لم تجد جدوى من ذلك الحديث فحاولت ان تنهيه بذهابها الى الحمام لعل حمام دافئ هو ما تريده الآن اخذت ملابس لها ولكن قبل ان تدلف للداخل سمعت طرق على باب غرفتها فأذنت للطارق بالدخول ولم تكن سوى تلك الخادمة بزيها النظيف وابتسامتها الرقيقة و لكنة صوتها
– مدام فى ضيف عايز حضرتك
سألتها سيرين بتعجب عن هوية ذلك الضيف
–اسمه ايه ويبقى مين ده
– بيقول اسمه شهاب الرافعى
كشفت الخادمة عن هوية ذلك الزائر وجدت سيرين
ونظرها قد تحول الى زوجها الذى ترك الغرفة ليقف بالشرفة إلا انه التفت اليها عندما سمع اسم ابنه شهاب فترك الشرفة يقترب منها يشير بيده للخادمة بالانصراف ،فخرجت واغلقت الباب خلفها ،قبض عزام بيديه على ذراعيها حتى كادت ان تشعر ان يديه ستصل الى عظامها ومفاصل ذراعها فهتفت بتألم
– عزام فى ايه سيب دراعى انت وجعتنى
هدر بها عزام غاضباً:
– شهاب ابنى ايه اللى جابه هنا وعرف عنوانك منين فى ايه بينك وبين ابنى انطقى
صرخ فى وجهها نظرت اليه بعدم تصديق إلا انها ازاحت يديه من على ذراعيها تهتف بغضب مماثل:
– أنت اتجننت ده ابنك فاهم يعنى ايه هو ابن جوزى على العموم هنزل اشوف جاى ليه
خرجت سيرين من الغرفة وعزام يذرع الأرض ذهاباً وإياباً فهو يخشى الخروج الآن حتى لايراه ابنه ويفتضح أمره
هبطت سيرين الدرج وقع نظرها على شهاب الجالس على احد المقاعد بيده احد أكواب القهوة التى ربما قدمتها الخادمة له حاولت رسم ابتسامة خفيفة قائلة:
– اهلا شهاب بيه نورت البيت خير
جلست على المقعد المقابل له تضع ساق على الأخرى لينكشف بياض ساقيها امام عين ذلك الشاب فحمحم قليلا يزيل ذلك التوتر الذى ألم به فأردف:
– هو انا جيت علشان انتى نسيتى تليفونك فى لوكيشن التصوير فجبتهولك
مد يده يناولها هاتفها اخذته منه بابتسامة حاولت ان ترسمها على وجهها أبدت له شكرها بكلامها الرقيق الذى تناغم مع صوتها الخلاب
– بجد ميرسى أوى يا شهاب بيه انت متعرفش انا لو كنت اكتشفت انه ضاع كنت هزعل اوى لان عليه ارقام مهمة اوى فى شغلى ميرسى كتير
كأن ابتسامتها شعاع من نور يضئ وجهها تجعله يشعر بانتشاء انه استطاع ان يكون السبب فى ابتسامها رأى انه يجب ان يذهب الآن كأنه أدى مهمة جليلة وحان وقت الانصراف فهب واقفاً ليغادر بعد ان القى عليها تحية الوداع، خرج من المنزل يستقل سيارته ووالده يقف بالشرفة يتوارى خلف احد تلك الاعمدة الضخمة بالشرفة ليتأكد من مغادرته المنزل،دلفت سيرين الغرفة فوجدت عزام يقترب منها مستفسرا عن سبب مجئ شهاب فروت له هى ماحدث ،زفر أنفاسه براحة إلا ان سيرين أيقنت الآن ان زوجها مثله مثل باقى الرجال الذين يخشون افتضاح أمرهم اذا كانوا متواطئين بعلاقات أخرى لا تعلم عنها زوجاتهم شيئاً، ففكرت هل هذا شئ لصالحها فربما خوف عزام بطاقة رابح بيدها الآن..!!!
_______
سمعت صوت رنين هاتفها فتركت ما بيدها لتلتقطه من على الكومود ،نظرت إلى الرقم الذى ينير الشاشة بجهل عاقدة حاجبيها، فمن يكون هذا المتصل وضعت الهاتف على أذنها تردف بصوت منخفض كعادتها:
– السلام عليكم ايوة مين معايا
– ثراء الرافعى
تلى أسمها صوت أنفاس متحشرجة كأن المتصل يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة، أو ربما كان يشعر بثقل الإسم على لسانه فهتفت متعجبة:
– أيوة انا مين معايا مين حضرتك
أطبق الصمت لبرهة ليعاود ذلك المتصل ينطق حروف أسمها كأنه ينشد مقطوعة موسيقية:
– ث ر ا ء إسم ميلقش إلا بيكى يا فاتنتى الصغيرة يا من أشعلتى قلبى بعينيكى وسلطتى سحرك عليه فخر صريع الهوى ينشد منكى أنت تظلى ساكنته
اتسعت عينيها وهي تستمع إلى ذلك المديح بحقها إلا أن شعور الغضب تسلل اليها لتجد نفسها تردف:
– ايه قلة الادب دى اظن عيب كده يا استاذ انت شكلك غلطان فى الرقم
– صدقينى أنا مش بعاكس أنتى متعرفيش من ساعة ما شوفت عينيكى وانا مش بنام سرقتى النوم من عينى زى ما سرقتى قلبى يا فاتنتى الصغيرة
استرسل ذلك المجهول فى حديثه كأنه يخاطب نفسه فلو رأى ما اعترى وجهها من ملامح غاضبة ربما كان سيكف عن ذلك
– أنت واحد مش محترم وصدقنى لو عرفت أنت مين انا هوديك فى ستين داهية
أطلق ضحكة خافتة ليعاود الحديث قائلا:
انا لو هروح فى داهية بسببك يا ثراء انا موافق بس تكونى معايا يا فاتنتى الصغيرة
– أخرس ومتقوليش الكلمة دى تانى أنت فاهم
أنهت حديثها بانهاءها لتلك المكالمة، لتعاود مرة أخرى قراءة ذلك الكتاب بيدها فرأت الرقم يهاتفها مرة أخرى ،رفضت المكالمة لتعود بعد ذلك وتضع هذا الرقم بقائمة الأرقام المرفوضة حتى لا يزعجها مرة اخرى،تركت غرفتها واخذت كتابها ليتسنى لها قراءته فى حديقة المنزل،هبطت الدرج فلمحت خروج ميرا أيضاً إلى الحديقة،فهبطت ثراء الدرج سريعا لمعرفة أين تذهب ولكن عندما خرجت من الباب الخلفي الذى يصلها الى الحديقة فقدت أثرها فلم تجدها
– هى راحت فين دى دى لسه خارجة دلوقتى
ظلت ثراء تلتفت يميناً ويساراً ولكنها لم تجدها ،وجدت عينيها تتجه صوب تلك الغرفة التى يسكنها أيسر وتلك الوساوس بدأت فى نخر رأسها،تهيأ لها أشياء كثيرة منها ان ربما ميرا الآن فى غرفته او ربما يفعلون شيئا ولكنها عادت لتستعيذ وتستغفر الله على سوء ظنها
– استغفر الله العظيم اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ولكنها وجدت قدميها تسوقها الى غرفته حتى وصلت اليها أرهفت السمع لعلها تسمع صوتاً وعندما لم تسمع شيئاً ابتسمت على سخافة تفكيرها وعندما همت بالرحيل سمعت صوت يأتيها من الداخل وأيقنت ان هذا هو صوت أيسر يخاطب أحد بمودة وحميمية،تسمرت أمام الباب وضعت أذنها تلصقها بالباب لتفسير تلك الهمهمات التى تسمعها فسمعت صوت أيسر قائلا:
– أنتى وبعدين معاكى بقى مش هتبطلى شقاوة لو حد من البيت شافك ولا عرف أنك معايا هنا دلوقتى هتبقى مشكلة خليكى بقى عاقلة واسمعى الكلام يا حبيبتى ماشى أنا مش ناقص مشاكل
لم تنتظر ثراء ان تستمع لكلمة اخرى ففتحت الباب على مصراعيه تهتف بغضب وبحدة:
– أنتوا بتعملوا إيه ده
انتفض أيسر من دخول ثراء المفاجئ لينظر اليها ب….!!!!

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى